التاريخ
فقد تعلمت مبادئ الإعلامية على هذه الحواسيب، وبفضل هذه الأجهزة تمكنت من إختيار الإعلامية كمهنة. كانت البداية مع جهاز صخر msx فى نادى إعلامية للشباب. كان صخر الجهاز الأكثر إنتشار فى مدينتي الصغيرة. فهو الجهاز الوحيد الذي يعتمد العربية إضافة إلى اللاتنية. صخر كان متوفر في محل تجاري وسط المدينة بثمن يقدر ب 300 $ تقريبا. و هو الجهاز الذي يعود به الحجاج من السعودية هدية لأبنائهم.
في تلك الفترة بدأت الدراسة فى المرحلة الثانوية، و كنت مغرم بكل ما هو حواسيب لكنني لا أمتلك حاسوب. كنت فقط أتابع برنامج فى التلفزة ينظم مسابقات ألعاب على صخر، من نوع سباق سيارات...
لكن ما حدث هو أنه صديق يدرس معي في نفس الفصل، عندما تحدثنا عن الحواسيب قال لي أنه مشترك فى نادي للإعلامية. و أقترح علي أن يرافقني للإشتراك. و فعلا إشتركت في النادي. النادي مكون من مشتركين أغلبهم يأتون للعب. الحواسيب المتوفرة قليلة و قديمة فى نفس الوقت ! ماهي إذن الحواسي الموفرة ؟
أولا السبكتروم ز إكس، يوجد تقريبا خمسة أجهزة. السبكتروم المتوفر ذو ذاكرة 128 ك بت، أى أنه من النسخ الأولى، و لا يسمح لك الجهاز أن تدخل الأوامر مباشرة بل الأوامر مطبوعة على لوحة المفاتح ! الخلاصة جهاز صعب المراس.
ثانيا : جهازين صخر MSX AX 170 و هو الحاسوب المحترم أكثر، حيث هناك بعض الألعاب المتوفرة و دليل المستعمل يشرح المبادئ الأساسية للبيسك. هذا الصخر هو نسخة معربة ل MSX حيث يمكنه معالجة الحروف العربية. و الأصدقاء فى الشرق العربى يعرفنه جيدا. و يعرفون أيضا شركة العالمية التي أنتجت أغلب البرامج التعلمية العربية. لكنها أغلبها موجه إلى الأطفال في المرحلة الإبتدائية...
ثالثا : جهاز واحد أتاري 8 بت. لم يحظى بإهتمام المشتركين لأنه كان وحيد و كان هناك لعبة واحدة متوفرة و هي لعبة طائرات.
رابعا : بعد فترة أضيف للمجموعة حاسوب كومودور 128، الأخ الأكبر لكمودور 64 سأروى لكم فى ما بعد الحكاية التىرافقت مجيئ كمودور.
إذن هذا كل ما يحتويه النادى من أجهزة. النقص الفادح فى الوثائق التقنية الذى أثر على تنمية القدرات التقنية للمشتركين (البرمجة). حيث كان متوفر فقط الدليل الموزع مع الجهاز. و إن كان هذا الدليل يمكن من السيطرة علىالبيسك فإنه لا يساعد على إستكشاف الإستعمالات المتقدمة للبيسك و خاصة التمكن من لغة الآلة.
كانت الهدف المزمن لى و للمنخرطين المميزين فى النادى (كنا أربعة أو خمسة) هو برمجة ألعاب بمستوى إحترافى تضاهي الألعاب التجارية. و آن نعلم أن هذا الهدف لايمكن بلوغه إلا بالتمكن من لغة الآلة التىتوفر سرعة التنفيذ البرنامج.
العقبة هي الوثائق التقنية، رغم أنى كنت أحاول الحصول عليها فهي غير موجودة على السوق. الحل الوحيد هو الحصول عليها من الخارج، أى فرنسا.
اليوم عند أنظر فيما صدر من كتب و مجلات فى تلك الفترة تهتم بالأجهزة 8 بت أتعجب، و أتحسر على هذه الحدود التى حرمتنا من التفاعل مع التقنية.هذه الوثائق صدرت بالفرنسية و الإنقليزية و غيرها من اللغات. عندما أبحث فى أنترنات عن صخر ، أتعجب من شعبية MSX فى البرازيل مثلا، حيث يوجد مواقع و وثائق بالبرتغالية و مواقع أخرى بالإسبانية عن أمستراد. لذلك أعتبر أن أنترنات من أهم الإختراعات فى تاريخ الإنسانية لأنه يضع علىقدم المساواة كافة البشر أمام الوصول إلى المعلومة. أو على الأقل يخفض من إرتفاع الحدود و يسهل الوصول إلى المعلومات.
لأننى أعرف أن شاب أوربى يسكن مدينة بحجم مدينتي الصغيرة فى تونس، يصل إلى أنترنات عشر مرات بسهولة كتونسى فى نفس المدينة.
كنت أشترى بعض المجلات العامة عن الإعلامية مثل science et vie micro الفرنسية التى تهتم بعالم ال PC ، و لكنها تخصص بعض الصفحات لأجهزة 8 بت. كنت أطالع مجلة عربية أخرى تهتم بالموضوع، على ما أتذكر أسمها الكمبيوتر و الإلكترونيات. كانت تضيف ملحق مخصص لأجهزة 8 بت. و كان القراء من كافة العالم العربي يراسلونها لإقتراح شيئ أو السؤال عن مشكلة. لكن المستوى كان متوسط و الأجوبة عن الأسئلة "الحساسة" سطحي.
و من الصدف أننى وجدت كتاب La bible de l'amstrad CPC فى مكتبة مدرسة المهندسين التى إلتحقت بها بعد سبعة سنوات من بداية المغامرة مع أجهزة ال 8 بت! هذا الكتاب الذي يشرح عمل الروتينات الداخلية لأمستراد. كتاب مهم لكن لا يخوض فى الحيل المستعملة لبرمجة محترفة ! اليوم على أنترنات نجد تقريبا كافة الوثائق، و حتى الآن لازلت أطالعها بكل إهتمام.
كان يدير النادى منشطان بالتناوب، منشطة و منشط. و هما خريجا معهد عالى لتنشيط الشباب. لم يكونا ذو إختصاص علمي. و إختارا العمل فى ميدان الإعلامية لأنه فى تلك الفترة حقل جديد و ذو مستقبل. إقتصر دور المنشطان على إدارة النادى مع إعطاء دروس فى مبادئ الإعلامية.
لكن النقص المزمن فى الوثائق التقنية منعنا من التقدم فى إستكشاف طاقات الحاسوب 8 بت. أى التمكن من برمجة برامج إحترافية.
الإستثناء الوحيد كانت مساعدة من مشترك سابق فى النادى، كان يدرس الهندسة الكهربائية، أى أنه يمتلك مستوى متقدم فى الرياضيات و العلوم الإلكترونية، تمكنه من فهم سريع لهندسة الحاسوب و لغة الآلة. حيث ساعدنا على فهم برمجة الملفات على صخر. أى التعامل مع برامج مسجلة على كاست أوديو أو ديسك (كان لدينا قارئ كاست و قارئ ديسك لصخر و قارئ كاست فقط لسبكتروم). أما برمجة لغة الآلة فقال أنه لا يمتلك الوثائق التى تمكنه من تحديد الروتينات الأساسية لصخر. حيث كنا نستعمل صخر بصفة أساسية.
لكننى مللت من التعامل مع الحاسوب فقط فى النادى لعدة أسباب، أهمها الإزدحام فى النادى و الضجيج. كما أن النادى له أوقات محدة ولا يمكنك من العمل بحرية. لذلك قررت أن أشتري حاسوب شخصى !
لكن كيف العمل و أنا مازلت تلميذ و لا أملك أى مال ؟ لذلك طلبت من العائلة شراء حاسوب. لكن ذلك لم يكن سهل. لكن بعد إلحاح وافقوا على الطلب. ليس من السهل إقناع الكبار بجدوى شراء حاسوب ! ماذا ستفعل به ؟ و خاصة المبلغ المالي : 300 $ (حيث كنت سأشتري جهاز صخر بصورة طبيعية لأنه الجهاز الذى كنت أستعمله فى النادى و كان أغلب الذين عندهم حاسوب كانت ماركته صخر).
إذن بدأت الرحلة للبحث عن حاسوب، لم أتوجه بصورة طبيعية إلى محل لبيع الحواسيب أو مركز تجاري، لأن العقلية السائدة تفضل السوق الموازية. و هذه السوق تتمثل فى الحجاج الذين يعودون محملين بمختلف السلع، من البخور إلى الذهب. لكنهم يعودون أيضا بجهاز صخر. أظن أن ثمنه كان زهيد فى السعودية (100$) لذلك يجلبونه لبيعه ثلاثة أضعاف ثمنه.
هنا أريد أن أثمن دور دول الخليج لنشر ثقافة الإعلامية و دعم اللغة العربية. إذن فى إطار البحث عن الحاسوب فى السوق الموازية، زرت "حاج " حديث العودة، قد خصص فى بيته غرفة واسعة يعرض فيها الأشياء التي يعرضها للبيع. إذ أن التاجر - الحاج لابد أن يربح بعض المال لكي يعوض تكاليف الحج. قد سمعت أن هذا الحاج يعرض للبيع حاسوب صخر. لكننى وجدت حاسوب ماركة "المثالي" و هو نسخة من صخر له فتحة كاردرتج واحدة عوض إثنان، و هو ليس بنفس جودة صخر. و "الحاج" طلب 400$ ثمنا له. و هو مبلغ مشط إذا عرفت أن صخر ثمنه 300$ تقريبا فى السوق. لذلك لم أناقش مع "الحاج" و تركته يحلم بالأرباح التى سيجنيها.
لكن بعد ذلك إتصل بنا صديق للعائلة فتح محل لبيع الحواسيب و المكتبية بصفة عامة. و عرض علينا حاسوب جديد إسمه أمستراد س ب س 6128. و لما تكلمت عن صخر، قال إن صخر قد فات أوانه و الآن جاء دور أمستراد. و ذكرنى أن هذا الحاسوب ذو ذاكرة 128 كيلو بت أى ضعف صخر (فيما بعد سأعرف أن هذه الذاكرة لا تصلح لشيئ إلا لبعض الألعاب المصممة خصيصا له). و ذكرنى أن هذا الجهاز معه مرقاب خاص به، عكس صخر الذى يعمل مع جهاز تلفزة عادى. الخلاصة كان البائع يتمتع بقدرة على بيع سلعته.
كنت من قبل قد لمحت الأخ الأصغر لأمستراد س ب س 6128، أى أمستراد س ب س 464، فى المعرض التجارى الذي يقام فى المدينة فى شهر رمضان. فهو حاسوب مزود بمرقاب مونوكروم، أوديو كاست بثمن 300$، أى ثمن صخر بدون كاست أو مرقاب. أما أمستراد س ب س 6128 فهو مزود بمرقاب بالألوان، قارئ ديسك. ثمنه 700$.
إذن وقع إختيارى على الأمستراد س ب س6128. لكن أتذكر أن البائع كان عنده أمستراد ب س أيضا، لكن ثمنه كان مشط (1500$).
إذن دخلت مغامرة ال س ب س. لكن الفخ كان فى ما بعد الحاسوب..
<< Accueil